الخميس، 7 أغسطس 2014

المشكلات العملية في اتفاق التحكيم الدكتور إبراهيم احمد إبراهيم

المشكلات العملية في اتفاق التحكيم 
الدكتور إبراهيم احمد إبراهيم
أستاذ القانون الدولي الخاص ,محام بالنقض


أنواع التحكيم
عند إبرام عقد من العقود المالية- خاصة في مجال التجارة الدولية- عادة ما تثور مسألة كيفية مواجهة ما قد يثيره العقد من خلافات يحتمل إثارتها بين الأطراف، فإذا ما اتجهت إرادتهم إلى اختيار التحكيم وسيلة لتسوية هذه الخلافات فمن المألوف أن يضمنوا عقدهم بندا يلخصون فيه اتجاه إرادتهم إلى حل منازعاتهم التي قد يثيرها العقد بطريق التحكيم، ومبينين كيفية وضع هذا التحكيم موضع التطبيق أو الجهة التي يتم في إطارها .
ويسمى مثل هذا البند " شرط التحكيم Clause Compromissoire إلا أنهم قد يبرموا عقد مستقلا بالإضافة إلى العقد الأصلي الذي أبرموه يسمى مشارطه تحكيم Compromis أو اتفاق تحكيم Convention d'arbitrage والأصل أنه لا فرق بين الصورتين فيما عدا أن شرط التحكيم لا يتصور أن يتم الاتفاق عليه بعد إثارة النزاع فيما بين الأطراف، فهو لابد وأن يكون سابقاً على النزاع، وهو أمر طبيعي، حيث أنه يرد ضمن العقد المبرم بين الأطراف، ويوقع عليه الأطراف عند توقيعهم هذا العقد، أما مشارطه التحكيم فكما يمكن إبرامها قبل إثارة النزاع يمكن إبرامها بعد إثارة النزاع ([1]) وغالبا ما تكون في هذه الحالة الأخيرة- مكملة لشرط التحكيم. وقد تعرضت مختلف التشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية ولوائح مراكز التحكيم لهاتين الصورتين للاتفاق على التحكيم ([2]) .
وقد عالجها المشرع المصري في الفقرة الثانية من المادة العاشرة، التي تنص على أن " يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع سواء قام مستقلاً بذاته أو ورد في عقد معين ... كما يجوز أن يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع .. " .
ويلاحظ أن إبرام اتفاق تحكيم بعد قيام النزاع لا يستلزم بالضرورة أن يكون قد سبقه شرط تحكيم، بل يتصور اتفاق الأطراف على مبدأ التحكيم ذاته بعد قيام النزاع، وقد يأتى هذا الاتفاق حتى بعد الالتجاء للقضاء لحل نزاعهم ، متى تبين لهم بعد إقامة الدعوى أن مصالحهم تتفق مع ترك النزاع القضائي وإبرام اتفاق تحكيم .
ويتعين عند الاتفاق على التحكيم بعد إثارة النزاع تحديد المسائل التي تثير الخلاف فيما بينهم والتي يشملها اتفاق التحكيم .
وقد رتب المشرع المصري بطلان اتفاق التحكيم الذي يبرم بعد إثارة النزاع إذا لم يتضمن تحديداً للمسائل التي يشملها التحكيم. وذلك وفقاً للفقرة الثانية من المادة العاشرة .
ويتميز اتفاق التحكيم عن شرط التحكيم بأنه يتضمن الكثير من التفصيلات التي لا يمكن أن يشتمل عليها شرط التحكيم الذي لا يعدو أن يكون بنداً من بنود العقد .
ولكن زيادة اضغام شرط التحكيم يمكن أن يترتب عليها استحالة حل النزاع بالتحكيم، ما لم يبرم الأطراف مشارطه تحكيم تتضمن التفاصيل التي تمكن من وضع التحكيم موضع التطبيق .
وفى نزاع حول عقد توريد شحنة من القمح الألماني إلى الإسكندرية تضمن شرط تحكيم، أثير أمام محكمة النقض ([3]) المصرية، تبين للمحكمة أنه يتعين لإعمال شرط التحكيم أن يكون إجرائه ممكنا، أما مجرد الاتفاق على إجراء التحكيم في انجلترا، فإنه يجعل تنفيذ شرط التحكيم متعذرا " ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن منع المحاكم المصرية من نظر نزاع لسبق اتفاق طرفيه على فضه بطريق التحكيم لا يكون إلا إذا كان تنفيذ التحكيم ممكنا حتى لا يحرم الخصوم من عرض منازعاتهم على جهة يلجئون إليها للمطالبة بحقوقهم ".
كما قضت ([4]) المحكمة أيضاً بأنه " إذا استحال عرض النزاع على التحكيم فإن شرطه يزول ويصبح كأن لم يكن" فعدم الحرص عند صياغة شرط التحكيم يمكن أن يؤدى إلى الإطاحة بالاتفاق على التحكيم، ولا يبقى أمام الأطراف إلا عرض نزاعهم على القضاء رغم سبق اتفاقهم على حل نزاعهم بالتحكيم .
وشرط التحكيم يمكن أن يثير الصعوبة أيضاً عند وروده في عقد غير صحيح أو باطل أو منعدم .
لذلك يقال ([5]) بأن " مشارطه التحكيم لم يحكم بخطورتها مثل شرط ([6]) التحكيم " وهو ما أدى بالكثير من ([7]) الدول – فيما مضى – إلى رفض الاعتراف بشرط التحكيم، واستلزام إبرام مشارطه تحكيم بعد قيام النزاع. إلا أن الحاجة إلى السرعة في التعاقد، والرغبة في تشجيع التحكيم واحتياج الكثيرين له في حل منازعات التجارة الدولية أدى بمختلف الدول منذ إبرام بروتوكول جنيف في سنة 1923 إلى الاتجاه نحو قبول شرط التحكيم والاعتراف له بنفس القوة القانونية لاتفاق التحكيم .
ولما كان بطلان شرط التحكيم بالتبعية لبطلان العقد الأصلي بين الأطراف يمكن أن يكون من شأنه تحجيم نظام التحكيم لذلك ظهر الاتجاه قويا نحو إنفاذه نظام التحكيم عن طريق الأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم وهو ما يحتاج إلى إلقاء الضوء عليه :
مبدأ استقلال شرط التحكيم :
يبدو استقلال شرط التحكيم أمراً غير منطقي ، كما يتعارض مع المبادئ العامة التي تقضى بأن " الجزء يتبع الكل" وأن ما بني على باطل فهو باطل .
وهذا ما ذهب إليه بالفعل القضاء ([8]) الانجليزي لرفض مبدأ استقلال شرط التحكيم وهو ما تأثرت به بعض الدول الانجلوسكسونية  مثل استراليا وكندا والهند وباكستان .
ثم بدا القضاء الانجليزي ([9]) يتأثر بالاتجاه نحو الاستقلال الذي ظهر في الدول الأخرى، فبدا يجيز بقاء شرط التحكيم ولو فسخ العقد الأصلي أو انقضى أو شابه بطلان نسبى أو نزاع حول تفسير إرادة أطرافه، بينما يأخذ شرط التحكيم حكم العقد الأصلي إذا لم يكن له وجود قانوني من الأصل، كما لو كان باطلاً بطلانا مطلقاً، أو لم يكن قد انعقد من البداية .
هذا وقد انتهى الأمر بأن أخذ القانون الانجليزي للتحكيم الصادر عام 1996 بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الذي يرد فيه فلا يتأثر بما قد يلحق به من بطلان .
إذ تنص المادة السابعة من القانون على أنه : " لا يترتب على بطلان أو انعدام العقد بطلان شرط التحكيم الوارد في العقد .
فاستقلال الشرط التحكيم يعنى أن ننظر إلى شرط التحكيم الوارد فى  عقد على أنه يعتبر عقدا قائماً بذاته، رغم أنه ليس إلا جزءاً من هذا العقد أو أحد بنوده .
وسيترتب على مبدأ الاستقلال تقرير الاستقلال القانوني لشرط التحكيم عن العقد الأصلي، بحيث يمكن إخضاع كلا منهما لقانون مختلف عن القانون الذي يحكم الآخر، كما يترتب على ذلك ألا يؤثر بطلان أيا منهما على الآخر .
بل تساءل البعض  عما إذا أمكن أن يترتب على استقلال شرط التحكيم فصل إجراءات التحكيم عن أي قانون وطني .
وقد أتى الخروج على القواعد العامة التي تجعل شرط التحكيم بدور وجوداً وعدما مع العقد الذي أورده، لتلبية اعتبارات التجارة الدولية .
إذ بذلت الكثير من الجهود الدولية لدعم شرط التحكيم، تشجيعا لنظام التحكيم ككل منذ عهد عصبة الأمم ، وتوجت هذه الجهود عام 1923 بتوقيع بروتوكول جنيف فى شأن شرط التحكيم مما استتبع اتجاه الكثير من الدول إلى الاعتراف بشرط التحكيم وتسويته باتفاق التحكيم
وبدأ يبرز الاتجاه إلى دعم شرط التحكيم على الصعيد الدولي في القضاء الفرنسي، فأصدرت محكمة النقض الفرنسية حكمين سنة 1930 وسنة 1931  ميزت فيهما في شأن شرط التحكيم بين المجالين الداخلي والدولي .
مقررة عدم ضرورة توافر الشروط التي يتطلبها القانون الفرنسي (م1006 مرافعات) لصحة شرط التحكيم متى ورد في عقد متعلق بالتجارة الدولية .
وجاءت مراعاة ظروف التجارة الدولية لصالح شرط التحكيم أيضاً في قضية Gosset التي أبرزت فيها محكمة النقض الفرنسية سنة 1963 ميلها إلى تقرير استقلالية شرط التحكيم .
فقد كان النزاع في هذه القضية يتعلق بمنازعة مستورد فرنسي في تنفيذ حكم تحكيم صدر في إيطاليا لصالح مصدر إيطالي وتمسك الفرنسي ببطلان عقد التوريد الذي اشتمل على شرط التحكيم ، لمخالفته قواعد الاستيراد المقررة في القانون الفرنسي، مما يستتبع بطلان شرط التحكيم الوارد في هذا العقد الباطل . فرفضت محكمة النقض هذا الدفع مقررة:
" أن اتفاق التحكيم سواء ورد مستقلا أو مندمجاً في تصرف قانوني له استقلال قانوني كامل، يستبعد تأثره بما قد يطرأ على التصرف من بطلان، وذلك فيما عدا أي ظرف استثنائي " .
ويبدو أن إشارة الحكم إلى مراعاة الظروف الاستثنائية كان نتيجة لرغبة المحكمة في التحفظ، باعتبار أن استقلال شرط التحكيم يمثل القاعدة العامة، وهو ما لا يتعارض مع احتمال وجود حالات تتقرر فيها استثناءات على هذه القاعدة .
وقد استبعدت محكمة النقض الفرنسية سنة 1971 في قضايا IMPEX  التحفظ المتعلق بالحالات الاستثنائية واكتفت بتقرير القاعدة التي سبق أن أقرتها المحكمة ومؤداها يتمتع اتفاق التحكيم في القانون الدولي الخاص باستقلال قانوني" وذلك لرفض ما تمسك به المصدر الفرنسي من بطلان شرط التحكيم الوارد في عقود التصدير لبطلانها بسبب عدم مشروعية السبب للغش .
كما أكدت محكمة النقض الفرنسية دعمها لاستقلال شرط التحكيم على صعيد التحكيم الدولي في قضية Hecht  سنة 1972 مقررة أن"لاتفاق التحكيم استقلال قانوني كامل في مسائل التحكيم الدولي ".
ثم ردت محكمة النقض الفرنسية هذا المبدأ لقانون التحكيم الدولي، باعتباره من القواعد الموضوعية لهذا القانون وذلك في الحكم الذي أصدرته عام 1993 في قضية Dalico  ومعنى هذا اتجاه القضاء الفرنسي إلى اعتبار مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي يطبق في مسائل التحكيم الدولي الخاص بغض النظر عن القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم باعتباره من المبادئ العامة للتحكيم الدولي الخاص في رأى المحكمة. وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية مبدأ استقلال شرط التحكيم في عدة أحكام تالية عام 2002   . ومن ناحية أخرى فلقد عالج المشرع الفرنسي مسألة أثر بطلان شرط التحكيم على العقد الأصلي الذي يشتمل على الشرط مقرراً أن بطلان شرط التحكيم لا يؤثر على العقد الأصلي الذي تضمن شرط التحكيم، إذ نصت المادة 1426 من قانون المرافعات الفرنسي على أنه :
        " إذا كان شرط التحكيم باطلا ، فإنه يعد غير مكتوب " .
وقد أخذت بعض الدول بمبدأ استقلال شرط التحكيم بنصوص صريحة في تشريعاتها، كما هو الأمر في التشريع الأسباني ([10]) الذي نص عليه صراحة في المادة الثامنة والتسريع السويسري الصادر سنة 1987 ([11]) الذي نص في الفقرة الثالثة من المادة 1748 منه على عدم جواز المنازعة في اتفاق التحكيم استناداً لعدم صحة العقد الأصلي .
كذلك الأمر في التشريع الجزائري الصادر سنة 1993 ([12]) الذي نص صراحة على مبدأ استقلال شرط التحكيم في الفقرة الأخيرة من المادة 458 مكرراً .
كذلك الأمر في التشريع المصري الصادر سنة 1994 الذي نص صراحة على المبدأ في المادة 23 .
وفى مصر كان قد ثار الخلاف في الفقه قبل صدور قانون التحكيم الحالي حول مدى استقلال شرط التحكيم في المعاملات الوطنية .
فبعد أن ذهب رأى ([13]) إلى أنه " في التحكيم يتلاقى البطلان الموضوعي والبطلان الإجرائي عن مخالفة واحدة ... ولا ينفى أنه يتعين أن تكون في الاعتبار التفرقة بين بطلان العقد المتضمن شرط التحكيم وبطلان اتفاق التحكيم عاد ([14]) وقرر أن المحكم يستمد سلطانه وسلطته من العقد الذي تم الاتفاق فيه على التحكيم، فإذا كان هذا العقد محل خلاف بين الخصوم وحصل التمسك ببطلانه- أو فسخه فلا يجوز للمحكم نظر هذا الأمر أو ذاك. وهو ما يعنى عدم استقلال شرط التحكيم بل تبعيته للعقد الأصلي .
بينما ذهب اتجاه آخر ([15]) إلى أنه " رغم ورود شرط التحكيم في العقد الأصلي، فإنه يجب القول باستقلاله عن هذا العقد ".
وفى مجال المعاملات الدولية غلب الاتجاه ([16]) نحو استقلال شرط التحكيم. ونحن نؤيد ([17]) استقلال شرط التحكيم، وبقاؤه نافذاً بالرغم من بطلان الاتفاق الأصلي نظراً لأن حاجة الأطراف إلى التحكيم تزيد في حالة عدم صحة اتفاقهم أو وجود سبب من أسباب بطلانه .
كما أن في تقرير استقلال شرط التحكيم ما يساعد الأطراف على الوصول إلى حل سريع لخلافاتهم .
وعندما صدر قانون التحكيم المصري الحالي، تضمن المادة 23 التي تنص على أن : " يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى. ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته ".
وبذلك يكون المشرع قد اتخذ موقفا واضحا، أكد به تأييده لمبدأ استقلال شرط التحكيم، وعدم تأثره بأي بطلان يطرأ على العقد الأصلي الذي أورده، كما صرح بأن فسخ العقد وإنهائه لا يؤثر على شرط التحكيم الوارد في هذا العقد. ولم يفرق المشرع في شأن تطبيق هذا المبدأ بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي، وبذا يسرى في كل النوعين من التحكيم .
وقد يثور التساؤل عن أثر بطلان شرط التحكيم على العقد الأصلي الذي أورده .
قد يفسر عدم تعرض التشريع لبيان هذه الحالة، على خلاف تعرضه لحالة بطلان العقد وعدم تأثير ذلك على شرط التحكيم الذي أورده، بما يعنى إمكان تأثر العقد ببطلان شرط التحكيم الذي اشتمل عليه هذا العقد .
إلا أن ما ينفى هذا التفسير تعرض المشرع في صدر نص المادة 23 إلى التصريح باستقلال لشرط التحكيم واعتباره اتفاقاً مستقلا عن بقية شروط العقد .
هو ما يرتب أيضاً عدم تأثر العقد الأصلي بأي عيب يلحق بشرط التحكيم الوارد في هذا العقد.
فبطلان شرط التحكيم يعنى أن اتفاق مستقل عن العقد الأصلي قد أبطل، فيبقى هذا العقد قائماً، طالما لم يلحقه عيب .
وقد أقرت مبدأ استقلال شرط التحكيم- لوائح هيئات التحكيم الدائمة، مثل القواعد التي أقرتها لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي ([18]) ، التي تقضى المادة القواعد سيعامل باعتباره اتفاق مستقل عن شروط العقد الأخرى. ويجرى المحكمين في حل منازعات التجارة الدولية على إقرار مبدأ استقلال شرط التحكيم ، وتأكيد اختصاص المحكم بتحديد اختصاصه .
ونعرض على سبيل المثال لقضية ([19]) تناولت هذا الأمر وعرضت للحل بالتحكيم في إطار غرفة التجارة الدولية تتعلق بعقد بين شركة ايطالية وشركة سويسرية تمسكت الشركة الإيطالية المدعى عليها بعدم اختصاص هيئة التحكيم التي انعقدت في زيورخ، واستندت في ذلك إلى سببين أساسين.
السبب الأول : بطلان العقد المبرم بين الشركتين مما يستتبع بطلان شرط التحكيم الذي يشتمل عليه هذا العقد، مما يفقد ادعاء الشركة السويسرية الأساس الذي تستند إليه في ادعائها .
السبب الثاني : إن اختصاص المحكمين يتعارض مع الاختصاص المقصور la competence exclusive على المحاكم الإيطالية، مما يفقد حكم التحكيم قيمته التنفيذية فيما لو صدر .
إلا أن هيئة التحكيم رفضت الدفع بعدم اختصاصها. واستندت في ذلك إلى الفقرة الرابعة من المادة الثامنة من نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية، التي تقرر أن بطلان العقد أو انعدامه لا ينفى اختصاص المحكم إذا ارتأى صحة اتفاق التحكيم – طالما لم يوجد اتفاق على غير ذلك .
وقررت أنه حتى في حالة انعدام العقد أو بطلانه، فإن نظام الغرفة يقرر أن المحكم يظل مختصاً لتحديد حقوق كلا الطرفين، وللفصل في ادعاءاتهما وطلباتهما. كما رفضت هيئة التحكيم ما تدعيه الشركة الايطالية من أن قانون الدولة المحتمل تنفيذ حكم التحكيم فيها يمكن أن يؤثر بحال من الأحوال على اختصاصها .
وهو نفس ما قضت به هيئة التحكيم ([20]) انعقدت في باريس في إطار غرفة التجارة الدولية، في نزاع بشأن عقد بين فرنسيين وشركة فرنسية ادعت بطلان اتفاق التحكيم نتيجة لبطلان عقد العمل الذي تضمن شروط التحكيم .
ولم تتعرض المعاهدات الدولية صراحة لمبدأ استقلال شروط التحكيم، وإن كان البعض منها قد فتح الباب لإمكانية الأخذ بالمبدأ ، مثل اتفاقية جنيف الأوربية للتحكيم التجاري الدولة لسنة 1961، واتفاقية واشنطن لسنة 1965 .
فاتفاقية جنيف وفقا للفقرة الثالثة من المادة الخامسة منها تعهد للمحكم بسلطة تحديد اختصاصه، ووجود أو صحة اتفاق التحكيم، أو العقد الذي يعتبر اتفاق التحكيم جزءا منه .
واتفاقية واشنطن أيضاً، تنص الفقرة الأولى من المادة 41 منها على أن " هيئة التحكيم هي التي تحدد اختصاصاتها" أي أن كلا الاتفاقيتين تأخذ بمبدأ الاختصاص بالاختصاص ويقصد بهذا المبدأ أن المحكم يختص بتحديد اختصاصه فهو الذي يقرر ما إذا كان هناك اتفاق التحكيم أم لا فهو لن يختص إلا بناء على وجود اتفاق تحكيم صحيح . وإذا كان البعض ([21]) يرى عدم ارتباط مبدأ الاختصاص بالاختصاص ومبدأ استقلال شرط التحكيم.
إلا أن الواقع أن المحكم لن يقرر بحال من الأحوال عدم صحة شرط التحكيم كنتيجة لعيب لحق بالاتفاق الأصلي الذي أورد الشرط .
فتقرير مبدأ الاختصاص بالاختصاص يعنى ترك تقدير مدى الأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم للمحكم، ولا شك أنه سيكون أكثر ميلا للأخذ بمبدأ الاستقلال مما يستتبع اختصاصه بالفصل في النزاع .ولقد نص المشرع المصري على الأخذ بمبدأ الاختصاص بالاختصاص في الفقرة الأولى من المادة 22 من التشريع .
ولم تتعرض اتفاقية نيويورك لسنة 1958 لمبدأ استقلال شرط التحكيم.
وكان البعض ([22]) قد حاول تقرير الأخذ بالمبدأ في مصر قبل صدور قانون التحكيم الحالي على أساس انطباق القواعد التي أوردتها اتفاقية نيويورك لعام 1958 في " مجال تقنين مبدأ الاستقلالية ونتائجه في شأن التحكميات المتصلة بمعاملات دولية" وذلك لانضمام مصر لهذه المعاهدة.
والحقيقة أن اتفاقية نيويورك لم تتعرض لمبدأ الاستقلال شرط التحكيم، ويرجع هذا إلى أنها معاهدة " للاعتراف بأحكام التحكم الأجنبية وتنفيذها ".
وإذا كانت قد تعرضت في مادتها الثانية لاتفاق التحكيم، وإلزام الدول الأعضاء بالاعتراف به، ومنع محاكمها من نظر المنازعات التي اتفق الأطراف على حلها بالتحكيم، فإنها لم تشر أي إشارة إلى أن ذلك يمكن أن يتحقق في حالة بطلان الاتفاق الأصلي فيما بين الأطراف . ([23])
وهو ما عاد هذا الرأي ([24]) للإقرار به بالقول " بأن المادة 2 من اتفاقية نيويورك وإن لم تكن قد عرضت صراحة لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم، ومختلف نتائجه القانونية إلا أنها قد أعطته قوة لم تكن له من قبل".
مما يدل على أن الدافع إلى الادعاء بنص الاتفاقية على المبدأ ينبع من الرغبة في التمسك بتطبيقه في مصر، وهو الأمر الذي لم يعد في حاجة إلى تبرير قانوني بعد نص المشرع صراحة عليه في المادة 23 من قانون التحكيم المصري التي عرضنا لها .
ويذهب البعض ([25]) إلى اعتبار أن مبدأ استقلال شرط التحكيم من القواعد الموضوعية للقانون الدولي .




([1])  انظر خلاف ذلك: د. مختار بريرى، المرجع السابق، ص 43 حيث يذكر أن المشارطة يتم الاتفاق عليها بعد قيام النزاع . وفى هذا تعارض مع قانون التحكيم المصري الذي أجاز إبرام اتفاق تحكيم قبل قيام النزاع أو بعده (م10/2). وقد كان هذا هو الوضع قديما في فرنسا، وكانت محكمة النقض الفرنسية قد اقتصرت على الاعتراف باتفاق التحكيم الذي يتم بعد قيام النزاع .
حتى صدر قانون سنة 1925 في فرنسا والذي اعترف بشرط التحكيم، كما سنوضح فيما بعد .
([2])  د. محيى الدين علم الدين، " اتفاق التحكيم وصوره " بحث مقدم في الدورة العامة لإعداد المحكم التي نظمها مركز حقوق عين شمس للتحكيم ، يناير2000 وأبريل2000.
([3])  صدر الحكم في 5 مارس سنة 1979، وهو حكم غير منشور صدر من الدائرة المدنية لمحكمة النقض فى الطعن رقم 583 سنة 46 ق .
([4])  الطعن رقم 45 لسنة 40 ق جلسة 5 مارس 1975، مجموعة المكتب الفني، السنة 26، ص 535 .
([5])  وكانت محكمة النقض الكندية قد فضت ببطلان شرط التحكيم قبل سنة 1966
    وقد تقرر قانون المرافعات الكندي الصادر سنة 1966 الاعتراف بشرط التحكيم وأوجب أن يكون مكتوبا .
([6])  في عيوب شرط التحكيم
([7])  وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية، كما كان يحظره القانون المدني الفرنسي في المادة 2060، كذلك في بعض الولايات المتحدة الأمريكية ودول أمريكا اللاتينية والبرازيل ، في التفاصيل انظر
وقد ألغى القانون الفرنسي الصادر في 31 ديسمبر سنة 1925 التفرقة بين شرط التحكيم ومشارطة التحكيم. وإن أجازه في المسائل التجارية .
([8])
   حيث يذكر أنه " إذا كان العقد الأصلي غير صحيح يسقط شرط التحكيم الوارد في هذا العقد ".
([9])  انظر تقرير steyn عن المملكة المتحدة، العدد الثاني من المرجع السابق، 1983.
([10])  وهو القانون الصادر سنة 1988 انظر نصوصه فى :
([11])  التشريع الفدرالي السويسري للقانون الدولي الخاص الصادر في 18 ديسمبر سنة 1987، انظر نصوص التشريع في :
   وفى التفاصيل انظر :
([12]) الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، 27 أبريل سنة 1993، ص 42 وفى موقف مختلف الدول من مبدأ استقلال شرط التحكيم، أنظر :
([13])  د. أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والاجبارى ، 1983، فقرة 6 ص 22 .
([14])  د. أحمد أبو الوفا، نفس المرجع، 1983، فقرة 13، ص 33 .
([15])  د. فتحي والى، الوسيط في قانون القضاء المدني 1980، ص 927 . ود. أبوزيد رضوان، المرجع السابق، ص 37 .
([16]) د. عز الدين عبد الله، البحث السابق، فقرة 25، ص 55و 56 حيث يذكر استقرار الرأي على ذلك ود. سامية راشد، المرجع السابق ص 116، 117 .
([17])  وهو الرأي الذي سبق أن أيدناه في البحث السابق، ص 93 ويذكر د. عز الدين عبد الله في المرجع السابق، فقرة 10 ص 24 لتأييده " والسائد فقها، في مجال التحكيم الدولي الخاص هو استقلال شرط التحكيم عن العقد الذي يضمه، رغم اتصاله به ماديا، وذلك لأنه يفترق عنه من عدة وجوه، فموضوعه هو تسوية المنازعات التي يحتمل أن تتولد من العقد الأصلي وسببه هو الالتزام المتبادل بين الأطراف بانتزاع هذه المنازعات من ولاية المحاكم والالتجاء في شأنها إلى محكمين وهو بعد يتصف بخاصة الإجرائية . وانظر هامش 56 من ذات الصفحة .
([18])  في الإجراءات التي تقررها هذه القواعد بالتفصيل ، مرجعنا السابق، التحكيم الدولي الخاص ، 1986، ص 132، وما يليها . وأنظر أيضاً :
([19])  القضية رقم 2476 لسنة 1976
([20])  فى القضية رقم 2558 لسنة 1976
   ومن أحكام التحكيم الصادرة فى إطار غرفة التجارة الدولية والتى طبقت المبدأ أيضا، انظر على سبيل المثال :
  الحكم الصادر فى القضية رقم 1526 لسنة 1968 .
  والحكم الصادر فى القضية رقم 2694 لسنة 1977 .
([21])  د. مختار بريرى، المرجع السابق، ص 50 حيث يقرر : ط أننا نجد صعوبة إلى حد ما فى الربط بين مبدأ الاختصاص بالاختصاص ومبدأ الاستقلالية".
([22])  د. سامية راشد، المرجع السابق، فقرة 67 ، ص 117 .
([23])  فى شرح المادة الثانية من معاهدة نيويورك، أنظر بحثنا فى شأن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، المجلة المصرية للقانون الدولى، 1981، المجلد 37، ص 43 وما بعدها .
([24])  د. سامية راشد، المرجع السابق، فقرة 103، ص 102 .
([25])
    وانظر أيضا :
    حيث يذكر أن هذا الحل يعتبر حاليا محل إجماع، ويتفق عليه الفقه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق