الخميس، 7 أغسطس 2014

استحواذ الشركات وموقف الفقه منه عبد المجيد بن صالح المنصور

استحواذ الشركات وموقف الفقه منه 
 
عبد المجيد بن صالح المنصور
المعهد العالي للقضاء

يعتبر الاندماج والاستحواذ طوق نجاة لتجنّب الإفلاس، ويعيش العالم حاليا أزمة طاحنة بدأت إرهاصاتها في صورة اضطراب للقطاع المالي العالمي، ثم امتدت إلى باقي القطاعات الأخرى، وأصبح العالم مهدداً بضغوط انكماشية حادة.

إن التداعيات السلبية للأزمة المالية جعلت من الضروري التفكير قدماً في حل ناجح يقي جميع المؤسسات وأموال المساهمين من أزمات مستقبلية، وينقذها من مغبة الإفلاس والتهاوي.

ولابد من الاستفادة القصوى من الأزمة المالية خاصة في الأسواق المالية، على أن تكون هذه الاستفادة من خلال توجيه جزء من الاستثمارات الخارجية وتوظيفها في السوق المحلي.
وأصبحت عمليات الاستحواذ بين الشركات أحد أبرز الخيارات المطروحة علي الساحة المالية العالمية والإقليمية والمحلية لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أفرزت واقعاً يهدد الكثير من الكيانات الاقتصادية بالإفلاس أو التصفية.

قد يكون الاندماج أو الاستحواذ عاملاً أساسياً في تحويل المجموعات الكبرى من متعثرة إلى كيانات مليئة، خاصة وأن الاندماج أو الاستحواذ سيؤثر فيها بشكل إيجابي من خلال تجميع حزمة من الأصول التابعة تحت مظلة واحدة، الأمر الذي سيجعلها في عيون المؤسسات المالية والمصرفية مليئة، وهو الحال الذي تعمل عليه شركات كبرى في الوقت الحالي(1).

إن عمليات الاندماج والاستحواذ ما بين الشركات ليست ظاهرة جديدة، حيث هي نتيجة طبيعية للعولمة وانفتاح الأسواق، فكلما زادت حرية التجارة والانفتاح الاقتصادي ٍزادت عمليات الاندماج والاستحواذ، ولأن نجاح أي استثمار يعتمد على تحقيق فرص المنافسة والذي يحتاج بدوره إلى بيئة قانونية صالحة تحكم عمليات الاندماج والاستحواذ، وتتضمن العديد من الإجراءات والواجبات وتُرتب الحقوق التي تضمن تحقيق المساواة في الحصول على المعلومات ذات العلاقة وحماية المستثمرين الصغار منهم قبل الكبار، إضافة إلى ضبط عملية الإفصاح ليكون كاملاً وعادلاً ثم إتاحة الوقت الكافي للمستثمرين لاتخاذ القرار بالمساهمة(2).

وفيما يتعلق بالأسباب الباعثة للاستحواذ، فإن الشأن فيه لا يختلف كثيراً عن الأسباب الباعثة على الاندماج، ويمكن تلخيصها في الأسباب الآتية:

السبب الأول: هو رغبة الشركة المستحوذة دخول سوق جديدة، فإذا أرادت شركة ما أن تدخل سوقاً جديدة، فإن أول خيار أمامها هو البحث عن شركة تعمل في نفس مجالها، وتقوم بعملية الاستحواذ عليها، ومن ثم تكون قد دخلت السوق بأقصر الطرق، وإن زادت التكلفة عليها بعض الشيء، ولكن الشركات التي تتخذ هذه السياسة يكون ما تفكر فيه هو عملية دخول السوق المستهدفة بأسرع وقت، ولا تبالي إذا ارتفعت التكلفة من عدمه إذا كان اختيارها للشركة المستحوذ عليها مدروساً بدقة؛ لأن ذلك يضمن لها سوقاً جديدة، تستطيع من خلالها مضاعفة مبيعاتها، فضلاً إذا كانت هذه السوق تتميز بزيادة الطلب على منتجات هذه الشركة المستحوذة.

السبب الثاني: يتمثل في الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير أو تخفيض التكلفة المصاحبة لإنتاج عدد أكبر من المنتجات أو الخدمات، وذلك من خلال خفض عدد العاملين الناتج عن دمج الأقسام المتماثلة على سبيل المثال.

السبب الثالث: قد يهدف الاستحواذ السيطرة على نصيب أكبر من مخرجات القطاع الذي تنتمي إليه كل من الشركتين طرفي الاستحواذ، ومن ثم زيادة قدرة كل من الطرفين على التأثير على اتجاهات الإنتاج والأسعار بالقطاع الذي ينتميان إليه، وعلى المنافسة ومواجهة المنافسة القوية بالسوق المحلي أو العالمي بزيادة منتجاتها أو إدخال منتجات جديدة لها لم تكن تنتجها من قبل.

السبب الرابع: كذلك، تهدف العديد من الشركات إلى ضمان استمرار تدفق مستلزمات الإنتاج والسيطرة على أسعارها؛ سعياً وراء التحكم في تكلفة الإنتاج، وذلك عن طريق الاستحواذ على شركات تمثل مخرجاتها النهائية مستلزمات أساسية لتشغيل الشركات المستحوذة.

السبب الخامس: هو رغبة الشركة المستحوذة في احتكار السوق وإقصاء المنافسين من أمامها لكي تنفرد بالسوق، وتكون تكلفة شراء هذا النوع من الشركات هو الأعلى تكلفة على الشركة المستحوذة؛ لأن الشركة المستحوذ عليها لابد أن يكون المبلغ المقدم لها مغرياً بالدرجة التي تؤدي إلى تنازلها عن السوق للشركة المستحوذة(3).

السبب السادس: تلجأ بعض الشركات الضعيفة والمتعثرة والمهددة بالإفلاس إلى طريقة الاستحواذ كحل للهروب من شبح الإفلاس ومن ثم التصفية، والهروب من مطالبات ودعاوى ذوي الحقوق، وحتى تقوي مركزها المالي بنقل موجوداتها إلى شركة أخرى، وتتخلص من التزاماتها التي أنهكتها، وتجعلها في ذمة الشركة المستحوذة عليها، وتصبح بذلك مليئة، الأمر الذي سيجعلها في عيون الدائنين أكثر قدرة على الوفاء بالتزاماتها.
وتلجأ بعض الشركات التي تحقق ربحاً عالياً من الاستحواذ على شركات صغيرة تعمل في ذات المجال تحقق خسائر أو ربحية متدنية من أجل تخفيض حجم الضرائب التي تدفعها سنويا.
يمثل الاستحواذ تنويعاً في الاستثمارات الذي يهدف إلى ضمان استمرار تحقيق الشركة المستحوذة لمعدلات نمو مستقرة في الأرباح، وتجنب التذبذب في الأرباح المحققة، ما يكسب المستثمرين طويلي الأجل الثقة في الشركة المستحوذة وفي إدارتها(4).

ولأهمية الاستحواذ كحل لتلافي الإفلاس فإن الحديث عنه في ستة مسائل:

المسألة الأولى: تعريف الاستحواذ.
المسألة الثانية: الفرق بين الاندماج والاستحواذ.
المسألة الثالثة: أنواع الاستحواذ.
المسألة الرابعة: أثر الاستحواذ على الشخصية الاعتبارية للشركة المستحوذ
ليها.
المسألة الخامسة: أثر الاستحواذ على ديون الشركة المستحوذ عليها.
المسألة السادسة: موقف الفقه من الاستحواذ.

المسألة الأولى: تعريف الاستحواذ:

الاستحواذ : عقد يتم بين شركتين, الأولى كبيرة وقوية, والثانية ضعيفة وأقل قوة, عن طريق سيطرة الأولى على الثانية من خلال شراء جميع أو 51% من أسهمها غير المسددة، أو عن طريق شراء أصولها، ونتيجة هذه العملية هي اختفاء الشركة المباعة, ونشاط أكبر للشركة المستحوذة(5).

وعرفه بعضهم بأنه: شراء شركة لأصول وموجودات شركة أخرى وانتقال ملكيتها إلى الشركة المستحوذة(6).

وقيل: هو شراء شركة لشركة أخرى وتكون الشركة المستحوذ عليها أصغر من المستحوذة، و هو أحد أشكال الاندماج، وتتبع الشركة المستحوذ عليها الشركة المستحوذة في كل تعاملاتها، وتمتلك المستحوذة كل أسهم الشركة المستحوذ عليها بنسبه 100 % من رأس مالها، وقيل: هو حصول أحد الشركات على كل أو غالبية الأسهم العادية لشركة أخرى (الأسهم التي لها حق التصويت)، إذا تمكنت الشركة المستثمرة من حيازة نسبة من أسهم الشركة الأخرى ( 51% مثلاً) تمكنها من السيطرة المالية والإدارية على أنشطتها، فتصبح الشركة المستثمرة شركة قابضة، بينما تصبح الشركة المراد الاستحواذ عليها شركة تابعة دون زوال الصفة القانونية لإحدى الشركتين، وبالتالي تقوم بإعداد قوائم مالية مستقلة، وفي الناحية العملية هما كيان اقتصادي واحد، الأمر الذي يتطلب أن يتم إعداد قوائم مالية موحدة لتوضيح التغيرات، ونتائج العمليات في المركز المالي للمجموعة، ككل بما تتضمنه من شركة قابضة و شركات تابعة(7).

وهناك تعريفات أخرى وكلها متقاربة تبين حقيقة الاستحواذ، وكيف يكون بين الشركات، ومن مجموعها يتبين أن للاستحواذ أربعة عناصر وأركان مهمة هي:

العنصر الأول: لابد من عقد على عملية الاستحواذ يتم بموجبه شراء، -وليس نقل- الأصول والموجودات للشركة المستحوذة، وكذلك نقل الالتزامات.

العنصر الثاني: أن تكون الشركة المستحوذة من الشركات الكبيرة أو الأقوى، وتكون الشركة المستحوذ عليها شركة أصغر وأضعف منها في المركز المالي.

العنصر الثالث: لابد لكي يتم الاستحواذ أن تشتري الشركة المستحوذة نسبة كبيرة من أصول الشركة المستحوذ عليها بشراء جميع أو 51% من أسهمها غير المسددة بحيث تمتلك قوة تصويتية غالبة في مجلس الإدارة.

العنصر الرابع: لابد بعد الاستحواذ من اختفاء الشركة المباعة المستحوذ عليها، حيث تكون الشركة المستحوذ عليها شركة (تابعة)، وتكون الشركة المستحوذة شركة (قابضة) تسيطر على كل أنشطتها وتعاملاتها، دون زوال صفتها الشخصية.



****************************
(1)
ينظر: موقع مجلة المدير المالي:
(2)
ينظر: مقال الاندماج والاستحواذ في موقع إيلاف، المحامي: عبد الرزاق عبد الله (3) ينظر: مقال (9 شركات كويتية أعلنت خلال 2009 رغبتها بالا « المزايا»الوحيدة التي أعلنت عدم المضي في اندماجها مع شركتها التابعة « دبي الأولى») منشور في موقع الرؤية للخدمات الإعلامية:
(4)
ينظر: مقال (9 شركات كويتية أعلنت خلال 2009 رغبتها بالا « المزايا»الوحيدة التي أعلنت عدم المضي في اندماجها مع شركتها التابعة « دبي الأولى») منشور في موقع الرؤية للخدمات الإعلامية:
(5)
ينظر: منتدى الإمارات الاقتصادي
(6)
ينظر: ينظر: موقع مجلة المدير المالي:
(7)
ينظر: موقع محاسبة دوت نت:
ومن أشهر الأمثلة للاستحواذ في الوقع، ما كان سوف يحدث بين شركتي مايكروسوفت وياهو عندما عرضت مايكروسوفت شراء ياهو، ولم تقبل ياهو حينها؛ لأن العرض المقدم لم يعجبها، ومن عالم السيارات: شركة شيفروليه استحوذت على شركة دايو، ومن عالم الموبايلات: شركة HTC استحوذت على شركة Dopod، ومن عالم الكومبيوتر والالكترونيات: شركة Lenovo استحوذت على شركة IBM، ومن عالم الصناعات الغذائية: شركة المراعي تستحوذ على 75 % من أسهم شركة طيبة للاستثمار والصناعات الغذائية المتطورة الأردنية عن طريق شركة المراعي القابضة ذ.م.م، إحدى الشركات المملوكة للمراعي بنسبة 100 في المائة، مع احتفاظ المالك السابق السادة عائلة خليل، بالحصة المتبقية، ما نسبته 25 في المائة.


المسألة الثانية: الفرق بين الاندماج والاستحواذ:
أحياناً يستخدم تعبيري الدمج والاستحواذ كمترادفين في العديد من الدراسات، ويرجع ذلك إلى أن كل واحد منهما يعرف على أنه أداة للاستفادة من التوسع في النشاط الرئيسي لشركة ما، أو زيادة درجة تنافسية شركة ما، أو خفض تكاليف تشغيل الشركة من أجل زيادة كفاءة تشغيل الشركة الدامجة أو المستحوذة، وزيادة معدلات الربحية فيها، وذلك من خلال محاولة السيطرة على شركة أخرى تعمل في ذات النشاط أو في نشاط مكمل سواء من خلال الشراء لنسبة مسيطرة وحاكمة من الأسهم المكونة لرأس المال قد تصل إلى كامل الأسهم المكونة لرأس مال الشركة المستحوذ عليها (الاستحواذ). أو من خلال ضم أو دمج شركة أخرى بالكامل في الشركة الدامجة (الاندماج).
ويتمثل الفرق بين الاندماج والاستحواذ بالنظر إليهما من جانبين، الأول: من الجانب القانوني للشركة، والثاني: الجانب العملي:
الجانب الأول: من الجانب القانوني: يتمثل في مدى استمرار أو انتهاء الكيان القانوني للشركة المندمجة أو المستحوذ عليها، بمعنى أن الاستحواذ يعنى شراء نسبة حاكمة ومسيطرة قد تصل إلى 100 % من أسهم الشركة المستحوذ عليها مع بقاء الشخصية المعنوية (الكيان القانوني) للشركة المستحوذ عليها كما هو دون تأثير، وتقوم بعملياتها بالشكل المعتاد، ومن ثم يمكن للشركة المستحوذة إعادة بيع ما امتلكته من أسهم في الشركة المستحوذ عليها مرة أخرى لمستثمرين آخرين في حالة الرغبة في ذلك.
أما الاندماج فانه يعني -كما سبق في الفصل السابق- انتهاء الشخصية الاعتبارية (الكيان القانوني) للشركة المندمجة وإلغاء قيدها كاسم تجارى منفصل في السجل التجاري للشركات، بمعنى ذوبان الكيان القانوني للشركة المندمجة في الكيان القانوني للشركة الدامجة، وقد ينتج عن الاندماج ذوبان الكيان القانوني لكل من الشركة الدامجة والشركة المندمجة وظهور كيان قانوني جديد (اسم تجارى جديد)، أي اندماج شركتين من أجل إنشاء شركة جديدة تحت اسم جديد بذات الموجودات والمطلوبات الخاصة بكل من الشركتين الدامجة والمندمجة.
الجانب الثاني: من الجانب العملي: أنه غالباً ما يكون الاستحواذ عملاً عدائياً أي يتم من جانب الشركة المستحوذة دون رضاء أو موافقة الإدارة في الشركة المستحوذ عليها، وقد ينتج عنه تغيير في إدارة الشركة المستحوذ عليها، وفقا لرغبة الشركة المستحوذة المسيطرة على أسهم التصويت في الشركة المستحوذ عليها، وغالباً ما يتم نقل ملكية أسهمها إلى مساهمي الشركة المستحوذة، إما عن طريق الدفع النقدي أو عن طريق سندات دين، وبذلك تتمكن الشركة المستحوذة من السيطرة على الأصول الثابتة للشركة المستحوذ عليها وموجوداتها ومطلوباتها، أما الاندماج فعادة يتم بالاتفاق بين إدارتي كل من الشركة الدامجة والمندمجة وبموافقة الجمعية العامة لكل منهما؛ نظراً لما يمثله الاندماج من مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، ويحتفظ المساهمون في الشركتين بأسهمهم في الكيان الجديد، أو في الشركة الدامجة، وبالتالي يتحولون إلى مساهمين في الشركة الجديدة (8).
ويرى بعض الاقتصاديين( 9) أن الفرق بين الدمج والاستحواذ في أن خيار الاستحواذ يعتبر أحياناً مرحلة تمهيدية لعملية الدمج لتلاشي الإجراءات الكثيرة الخاصة بعملية الدمج(10 )، وتلتزم الشركة المستحوذة بالتطوير والحفاظ على العمالة، وتقوم بالهيكلة الإدارية والمالية تمهيداً للوصول إلى مرحلة الاندماج بين الشركتين، ووقتها سوف تنتهي الشخصية الاعتبارية للشركة المستحوذ عليها التي اندمجت بعد ذلك.
المسألة الثالثة: أنواع الاستحواذ:
يتنوع الاستحواذ إلى نوعين باعتبارين، باعتبار نوع المشترَى، وباعتبار كميته.
النوع الأول: باعتبار نوع المشترى، وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: استحواذ عن طريق شراء الأسهم: ويقصد به قيام الشركة المستحوذة بشراء أسهم الشركة المستحوذ عليها من خلال عرض شراء يقدم لمساهمي الشركة المستحوذ عليها، وسداد قيمة هذه الأسهم نقدا، أو مبادلتها بأسهم في الشركة المستحوذة يحصل عليها مساهمو الشركة المستحوذ عليها.
القسم الثاني: استحواذ عن طريق شراء الأصول: ويقصد به قيام الشركة المستحوذة بشراء كامل أصول الشركة المستحوذ عليها نقدا، حيث تقوم الشركة المستحوذ على أصولها بتوزيع مقابل الأصول المستحوذ عليها على مساهميها، وذلك تمهيداً لتصفية الشركة المستحوذ عليها، أو أن تستخدم الشركة المستحوذ على أصولها مقابل الأصول في تغيير نشاطها الرئيسي( 11).
النوع الثاني: أقسام الاستحواذ باعتبار كميته، وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: استحواذ كلي بشراء جميع أصول الشركة المستحوذ عليها.
القسم الثاني: استحواذ جزئي بامتلاك جزء من أسهم تلك الشركة، وغالبا ما تتطلع الشركات المستحوذة (المشترية) عند الشراء الجزئي، إلى أن تكون كمية الأسهم المستحوذ عليها 51% فأكثر بحيث تمتلك قوة تصويتية غالبة في مجلس الإدارة، وتمكنها من التحكم في قرارات مجلس الإدارة للشركة، أو المشاركة الفعالة في إصدارها، وتسمى الأسهم في هذه الحالة أسهماً إستراتيجية(12 ).
المسألة الرابعة: أثر الاستحواذ على الشخصية الاعتبارية للشركة المستحوذ عليها:
إن أهم عناصر الاستحواذ بقسميه، وأهم ما يميزه عن الاندماج بقاء شخصية الشركة المستحوذ عليها، كما هي دون تأثير، فلا تنقضي أو تنحل بالاستحواذ كما هو الشأن في كل شركة تابعة، إلا إذا كان الاستحواذ مرحلة تمهيدية للاندماج، فتنقضي بالاندماج لا بالاستحواذ.
 وبناء على هذا يمكن للشركة المستحوذة إعادة بيع ما امتلكته من أسهم في الشركة المستحوذ عليها مرة أخرى لمستثمرين آخرين في حالة الرغبة في ذلك.

المسألة الخامسة: أثر الاستحواذ على ديون الشركة المستحوذ عليها.
إن من أهم أسباب سعي بعض الشركات للاستحواذ تخفيف مسؤوليتها من الديون والالتزامات التي أحاطت بها، ولهذا فإن من طبيعة الاستحواذ أنه يتضمن التزام الشركة المستحوذة بضمان أموال الدائنين والعاملين في الشركة المستحوذة، فالشأن في هذه الميزة كالشأن في الاندماج، وهي من نقاط التوافق بين الاستحواذ والاندماج.
فيترتب على الاستحواذ نقل المسؤولية عن الديون من الشركة المستحوذ عليها، التي أصبحت شركة تابعة إلى الشركة المستحوذة التي أصبحت شركة قابضة بامتلاكها نسبة كبيرة من أسهم أو أصول الشركة المستحوذ عليها.
المسألة السادسة: موقف الفقه من الاستحواذ:
لئن كان الاندماج والاستحواذ يتفقان في كثير من البواعث والعناصر وبعض الآثار، فإنه لا يعني ذلك بالضرورة الاتفاق في التكييف الفقهي من كل وجه، وبإمعان النظر في الاستحواذ بقسميه من الناحية القانونية، وملاحظة بعض خصائصه وعناصره، تجد أنه مركب من تكييفين فقهيين، عقد بيع وعقد حوالة دين على الشركة المستحوذة، وبيانهما كتالي:
عقد بيع باعتبار أن الشركة المستحوذ عليها تبيع حصة كبيرة من أسهمها، أو تبيع كل أصولها، والشركة المستحوذة هي المشترية للأسهم؛ لأنها تقدم للمساهمين عرضاً لشرائها، وتسدد قيمتها نقداً، أو بمبادلتها بأسهم في الشركة المستحوذة يحصل عليها مساهمو الشركة المستحوذ عليها.
وهذا التكييف لا يصح في الاندماج؛ لأن الاندماج نقل للأصول والموجودات ليكون رأس مال في شركة جديدة أو شركة قائمة مع زوال شخصية الشركة المندمجة، وليس فيها بيعاً أو شراء لأصول أو أسهم كما هي الحال في الاستحواذ.
وعقد حوالة باعتبار أن جميع ديون الشركة المستحوذ عليها والتزاماتها تنقل إلى الشركة المستحوذة، وهذا النقل هو ما يسمى في الفقه بحوالة الدين، ويحتمل أن يكون كفالة بشرط براءة الأصيل، فالشركة المستحوذة هي الكفيلة المتحملة لديون الشركة المستحوذ عليها بشرط براءة الشركة المستحوذ عليها، وهي الأصيل، وقد يؤيد هذا أن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، ويقول فقهاء الحنفية تطبيقًا لهذه القاعدة: ( إن الكفالة بشرط براءة الأصل حوالة، والحوالة بشرط عدم براءة الأصل كفالة)( 13)، وهي جائزة عندهم، وقد أخذ به مجمع الفقه الإسلامي( )،والمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة في معيار الحوالة(14 )
ويلحظ في خلاصة التكييف أن الاستحواذ بنوعيه يمكن أن تكون صورته عقد بيع بشرط نقل الديون والالتزامات التي على البائع إلى المشتري، ولا إشكال فيه وقد رضي الدائنون (المحال) بذلك، ورضيت الشركة المحال عليها بالحوالة، ولا يدخل في نهي النبي e، عن (سلف وبيع)؛ لأن المراد بالسلف هنا القرض أي: لا يحل بيع مع شرط قرض بأن يقول بعتك هذا العبد على أن تسلفني ألفا، وقيل: هو أن تقرضه ثم تبيع منه شيئا بأكثر من قيمته، فإنه حرام؛ لأنه إنما يقرضه ليحابيه في الثمن، فيدخل في حد الجهالة، ولأن كل قرض جر منفعة فهو ربا( 15)، وفي مسألة الاستحواذ إسقاط لدين الشركة المستحوذ عليها(وهي البائع)، وليس فيه شغل لذمتها كما في سلف وبيع، ولأن الحوالة كما يقول ابن تيمية رحمه الله( 16) من جنس إيفاء الحق لا من جنس البيع، فإن صاحب الحق إذا استوفى من المدين ماله كان هذا استيفاء، فإذا أحاله على غيره كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي في ذمة المحيل، والله أعلم.
 *********
 (8) ينظر: مقال (9 شركات كويتية أعلنت خلال 2009 رغبتها بالا « المزايا»الوحيدة التي أعلنت عدم المضي في اندماجها مع شركتها التابعة « دبي الأولى») منشور في موقع الرؤية للخدمات الإعلامية: http://www.arrouiah.com/node/234502
وينظر: موقع منتدى الإمارات الاقتصادي على الرابط:http://www.uaeec.com/vb/t140757.html
وينظر: موقع مجلة المدير المالي: http://financialmanager.wordpress.com/2010/02/03/rp/
وينظر: موقع دليل المحاسبين: http://www.jps-dir.net/Forum/forum_posts.asp?TID=5663
وينظر: مقال الاندماج والاستحواذ في موقع إيلاف، المحامي:عبد الرزاق عبد الله http://www.elaph.com/ElaphWeb/Economics/2007/10/275478.htm
(9) ومنهم الدكتورة سميحة القليوبي، ينظر: منتديات المجموعة المصرية للخدمات المالية
http://forum1.esgmarkets.com/showthread.php?t=3819&page=70
(10) وهذا ما حصل عندما استحوذ بنك مصر على بنك القاهرة في ظل الأزمة المالية المعاصرة.
([1]) ينظر: مقال (9 شركات كويتية أعلنت خلال 2009 رغبتها بالا « المزايا»الوحيدة التي أعلنت عدم المضي في اندماجها مع شركتها التابعة « دبي الأولى») منشور في موقع الرؤية للخدمات الإعلامية: http://www.arrouiah.com/node/234502
(11)  ينظر: منتدى الإمارات الاقتصادي http://www.uaeec.com/vb/t140757.html
(12) ([1]) ينظر: تبيين الحقائق(4/153)، البحر الرائق(6/239).
(13) قرار المجمع 84 (1/9) بشأن: تجارة الذهب، الحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة، ونص ما جاء فيه: (ثانياً: بشأن الحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة: أ- الحوالات التي تقدم مبالغها بعملة ما ويرغب طالبها تحويلها بنفس العملة جائزة شرعاً، سواء أكان بدون مقابل أم بمقابل في حدود الأجر الفعلي، فإذا كانت بدون مقابل فهي من قبيل الحوالة المطلقة عند من لم يشترط مديونية المحال إليه، وهم الحنفية، وهي عند غيرهم سفتجة، وهي إعطاء شخص مالاً لآخر لتوفيته للمعطي أو لوكيله في بلد آخر . وإذا كانت بمقابل، فهي وكالة بأجر، وإذا كان القائمون بتنفيذ الحوالات يعملون لعموم الناس، فإنَّهم ضامنون للمبالغ، جرياً على تضمين الأجير المشترك).
(14) معيار الحوالة (5/1/2): (الحوالة المطلقة: هي التي لا يكون فيها للمحيل دين أو عين لدى المحال عليه، حيث يلتزم بأداء دين المحيل من مال نفسه، ثم يرجع بعد ذلك بما دفعه على المحيل إذا كانت الحوالة بأمره. وهي جائزة شرعاً).
(15) ينظر: مجموع الفتاوى(29/334)، و(29/62)، إعلام الموقعين(3/141).
(16)ينظر: مجموع الفتاوى(20/512)، إعلام الموقعين(2/10).



هناك تعليق واحد: